فصل: (إسْلَامُ بَاذَانَ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» (نسخة منقحة)



.[شِعْرُ ابْنِ الْأَسْلَتِ فِي وَقْعَةِ الْفِيلِ]:

وَقَالَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ الْأَنْصَارِيّ ثُمّ الْخَطْمِيّ، وَاسْمُهُ صَيْفِيّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ أَبُو قَيْسٍ: صَيْفِيّ بْنُ الْأَسْلَتِ بْنِ جُشَمَ بْنِ وَائِلِ بْنِ زَيْدِ بْنِ قَيْسِ ابْنِ عَامِرَةَ ابْنِ مُرّةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ:
وَمِنْ صُنْعِهِ يَوْمَ فِيلِ الْحُوشِ ** إذْ كُلّمَا بَعَثُوهُ رَزَمْ

مَحَاجِنُهُمْ تَحْتَ أَقْرَابِهِ ** وَقَدْ شَرّمُوا أَنْفَهُ فَانْخَرَمْ

وَقَدْ جَعَلُوا سَوْطَهُ مِغْوَلًا ** إذَا يَمّمُوهُ قَفَاهُ كُلِمْ

فَوَلّى وَأَدْبَرَ أَدْرَاجَهُ ** وَقَدْ بَاءَ بِالظّلْمِ مَنْ كَانَ ثَمّ

فَأَرْسَلَ مِنْ فَوْقِهِمْ حَاصِبًا ** فَلَفّهُمْ مِثْلَ لَفّ الْقُزُمْ

تَحُضّ عَلَى الصّبْرِ أَحْبَارُهُمْ ** وَقَدْ ثَأَجُوا كَثُؤَاجِ الغَنَمْ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالْقَصِيدَةُ أَيْضًا تُرْوَى لِأُمَيّةِ بْنِ أَبِي الصّلْتِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ:
فَقُومُوا فَصَلّوا رَبّكُمْ وَتَمَسّحُوا ** بِأَرْكَانِ هَذَا الْبَيْتِ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ

فَعِنْدَكُمْ مِنْهُ بَلَاءٌ مُصَدّقٌ ** غَدَاةَ أَبِي يَكسومَ هَادِي الْكَتَائِبِ

كَتِيبَتُهُ بِالسّهْلِ تُمْسِي وَرَجْلُهُ ** عَلَى الْقَاذِفَاتِ فِي رُءُوسِ الْمَنَاقِبِ

فَلَمّا أَتَاكُمْ نَصْرُ ذِي الْعَرْشِ رَدّهُمْ ** جُنُودُ الْمَلِيكِ بَيْنَ سَافٍ وَحَاصِبِ

فَوَلّوْا سِرَاعًا هَارِبِينَ وَلَمْ يَؤُبْ ** إلَى أَهْلِهِ مِلْحبِش غَيْرُ عَصَائِبِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ قَوْلَهُ عَلَى الْقَاذِفَاتِ فِي رُءُوسِ الْمَنَاقِبِ وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لِأَبِي قَيْسٍ سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللّهُ وَقَوْلُهُ: غَدَاةَ أَبِي يكْسوم: يَعْنِي أَبْرَهَةَ، كَانَ يُكَنّى أَبَا يَكْسوم.

.[شِعْرُ طَالِبٍ فِي وَقْعَةِ الْفِيلِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ طَالِبُ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ:
أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا كَانَ فِي حَرْبِ دَاحِسٍ ** وَجَيْشِ أَبِي يَكْسوم إذْ مَلَئُوا الشّعْبَا

فَلَوْلَا دِفَاعُ اللّهِ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ** لَأَصْبَحْتُمْ لَا تَمْنَعُونَ لَكُمْ سِرْبَا

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ فِي يَوْمِ بَدْر سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعهَا إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى.

.[شِعْرُ أَبِي الصّلْتِ فِي وَقْعَةِ الْفِيل ِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو الصّلْتِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الثّقَفِيّ فِي شَأْنِ الْفِيلِ وَيَذْكُرُ الْحَنِيفِيّةَ دِينَ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تُرْوَى لِأُمَيّةِ بْنِ أَبِي الصّلْتِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الثّقَفِيّ:
إنّ آيَاتِ رَبّنَا ثَاقِبَاتُ ** لَا يُمَارِي فِيهِنّ إلّا الْكَفُورُ

خُلِقَ اللّيْلُ وَالنّهَارُ فَكُلّ ** مُسْتَبِينٌ حِسَابُهُ مَقْدُورُ

ثُمّ يَجْلُو النّهَارَ رَبّ رَحِيمٌ ** بِمَهَاةِ شَعَاعُهَا مَبْشُورُ

حُبِسَ الْفِيلُ بِالْمُغَمّسِ حَتّى ** ظَلّ يَحْبُو كَأَنّهُ مَعْقُورُ

لَازِمًا حَلْقَةَ الْجِرَانِ كَمَا ** قُطّرَ مِنْ صَخْرٍ كَبْكَبٍ مَحْدُورُ

حَوْلَهُ مِنْ مُلُوكِ كِنْدَةَ أَبْطَالٌ ** مَلَاوِيثُ فِي الْحُرُوبِ صُقُورُ

خَلّفُوهُ ثُمّ ابذعَرّوا جَمِيعًا ** كُلّهُمْ عَظْمُ سَاقُهُ مَكسْورُ

كُلّ دِينٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللّهِ ** إلّا دِينَ الْحَنِيفَةِ بُورُ

.[شِعْرُ الْفَرَزْدَقِ فِي وَقْعَةِ الْفِيلِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ- وَاسْمُهُ هَمّامُ بْنُ غَالِبٍ أَحَدُ بَنِي مُجَاشِعِ بْنِ دَارِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ- يَمْدَحُ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَيَهْجُو الْحَجّاجَ بْنَ يُوسُفَ، وَيَذْكُرُ الْفِيلَ وَجَيْشَهُ:
فَلَمّا طَغَى الْحَجّاجُ حِينَ طَغَى بِهِ ** غِنَى قَالَ إنّي مُرْتَقٍ فِي السّلَالِمِ

فَكَانَ كَمَا قَالَ ابْنُ نُوحٍ سَأَرْتَقِي ** إلَى جَبَلٍ مِنْ خَشْيَةِ الْمَاءِ عَاصِمِ

رَمَى اللّهُ فِي جُثْمَانِهِ مِثْلَ مَا رَمَى ** عَنْ الْقِبْلَةِ الْبَيْضَاءِ ذَاتِ الْمَحَارِمِ

جُنُودًا تَسُوقُ الْفِيلَ حَتّى أَعَادَهُمْ ** هَبَاءً وَكَانُوا مُطْرَخِمي الطّرَاخِمِ

نُصِرْتَ كَنَصْرِ الْبَيْتِ إذْ سَاقَ فِيلَهُ ** إلَيْهِ عَظِيمُ الْمُشْرِكِينَ الْأَعَاجِمِ

وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.

.[شِعْرُ ابْنِ الرّقَيّاتِ فِي وَقْعَةِ الْفِيلِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ قَيْسٍ الرّقَيّاتُ أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ يَذْكُرُ أَبْرَهَةَ- وَهُوَ الْأَشْرَمُ- وَالْفِيلَ:
كَادَهُ الْأَشْرَمُ الّذِي جَاءَ بِالْفِيلِ ** فَوَلّى وَجَيْشُهُ مَهْزُومُ

وَاسْتَهَلّتْ عَلَيْهِمْ الطّيْرُ بِالْجَنْدَلِ ** حَتّى كَأَنّهُ مَهْزُومُ

ذَاكَ مَنْ يَغْزُهُ مِنْ النّاسِ يَرْجِعْ ** وَهُوَ فَلّ مِنْ الْجُيُوشِ ذَمِيمُ

وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.

.[مُلْكُ يَكْسوم ثُمّ مَسْرُوقٍ عَلَى الْيَمَنِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا هَلَكَ أَبْرَهَةُ مَلّكَ الْحَبَشَةَ ابْنَهُ يَكْسوم بْنَ أَبْرَهَةَ وَبِهِ كَانَ يُكَنّى، فَلَمّا هَلَكَ يَكْسوم بْنُ أَبْرَهَةَ مَلَكَ الْيَمَنَ فِي الْحَبَشَةِ أَخُوهُ مَسْرُوقُ بْنُ أَبْرَهَةَ.

.خُرُوجُ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ وَمُلْكُ وهرز عَلَى الْيَمَنِ:

فَلَمّا طَالَ الْبَلَاءُ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ، خَرَجَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ الْحِمْيَرِيّ وَكَانَ يُكَنّى بِأَبِي مُرّةَ حَتّى قَدِمَ عَلَى قَيْصَرَ مَلِكِ الرّومِ، فَشَكَا إلَيْهِ مَا هُمْ فِيهِ وَسَأَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهُمْ عَنْهُ وَيَلِيَهُمْ هُوَ وَيَبْعَثَ إلَيْهِمْ مَنْ شَاءَ مِنْ الرّومِ، فَيَكُونُ لَهُ مُلْكُ الْيَمَنِ فَلَمْ يُشْكِهِ وَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ شَيْئًا مِمّا يُرِيدُ.

.[تَوَسّطُ النّعْمَانِ لِابْنِ ذِي يَزَنَ لَدَى كِسْرَى]:

فَخَرَجَ حَتّى أَتَى النّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ، وَهُوَ عَامِلُ كِسْرَى عَلَى الْحِيرَةِ، وَمَا يَلِيهَا مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ، فَشَكَا إلَيْهِ أَمْرَ الْحَبَشَةِ فَقَالَ لَهُ النّعْمَانُ إنّ لِي عَلَى كِسْرَى وِفَادَةً فِي كُلّ عَامٍ فَأَقِمْ حَتّى يَكُونَ ذَلِكَ. فَفَعَلَ ثُمّ خَرَجَ مَعَهُ فَأَدْخَلَهُ عَلَى كِسْرَى. وَكَانَ كِسْرَى يَجْلِسُ فِي إيوَانِ مَجْلِسِهِ الّذِي فِيهِ تَاجُهُ وَكَانَ تَاجُهُ مِثْلَ القَنْقل الْعَظِيمِ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- يُضْرَبُ فِيهِ الْيَاقُوتُ وَاللّؤْلُؤُ وَالزّبَرْجَدُ بِالذّهَبِ وَالْفِضّةِ مُعَلّقًا بِسَلْسَلَةِ مِنْ ذَهَبٍ فِي رَأْسِ طَاقَةٍ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ. وَكَانَتْ عُنُقُهُ لَا تَحْمِلُ تَاجَهُ إنّمَا يُسْتَرُ بِالثّيَابِ حَتّى يَجْلِسَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ ثُمّ يُدْخِلُ رَأْسَهُ فِي تَاجِهِ فَإِذَا اسْتَوَى فِي مَجْلِسِهِ كُشِفَتْ عَنْهُ الثّيَابُ فَلَا يَرَاهُ رَجُلٌ لَمْ يَرَهُ قَبْلَ دَخَلَ عَلَيْهِ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ بَرَكَ.

.ابْنُ ذِي يَزَنَ بَيْنَ يَدَيْ كِسْرَى، وَمُعَاوَنَةُ كِسْرَى لَهُ:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ سَيْفًا لَمّا دَخَلَ عَلَيْهِ طَأْطَأَ رَأْسَهُ فَقَالَ الْمَلِكُ إنّ هَذَا الْأَحْمَقَ يَدْخُلُ عَلَيّ مِنْ هَذَا الْبَابِ الطّوِيلِ ثُمّ يُطَأْطِئُ رَأْسَهُ؟ فَقِيلَ ذَلِكَ لِسَيْفِ فَقَالَ إنّمَا فَعَلْتُ هَذَا لِهَمّي؛ لِأَنّهُ يَضِيقُ عَنْهُ كُلّ شَيْءٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ قَالَ لَهُ أَيّهَا الْمَلِكُ غَلَبَتْنَا عَلَى بِلَادِنَا الْأَغْرِبَةُ، فَقَالَ لَهُ كِسْرَى: أَيّ الْأَغْرِبَةِ: الْحَبَشَةُ أَمْ السّنْدُ فَقَالَ بَلْ الْحَبَشَةُ، فَجِئْتُك لِتَنْصُرَنِي، وَيَكُونُ مُلْكُ بِلَادِي لَك، قَالَ بَعُدَتْ بِلَادُك مَعَ قِلّةِ خَيْرِهَا، فَلَمْ أَكُنْ لِأُوَرّطَ جَيْشًا مِنْ فَارِسَ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، لَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ ثُمّ أَجَازَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَافٍ وَكَسَاهُ كُسْوَةً حَسَنَةً. فَلَمّا قَبَضَ ذَلِكَ مِنْهُ سَيْفٌ خَرَجَ فَجَعَلَ يَنْثُرُ ذَلِكَ الْوَرِقَ لِلنّاسِ فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمَلِكَ فَقَالَ إنّ لِهَذَا لَشَأْنًا، ثُمّ بَعَثَ إلَيْهِ فَقَالَ عَمَدْت إلَى حِبَاءِ الْمَلِكِ تَنْثُرُهُ لِلنّاسِ فَقَالَ وَمَا أَصْنَعُ بِهَذَا مَا جِبَالُ أَرْضِي الّتِي جِئْتُ مِنْهَا إلّا ذَهَبٌ وَفِضّةٌ يُرَغّبُهُ فِيهَا. فَجَمَعَ كِسْرَى مَرَازِبَتَهُ فَقَالَ لَهُمْ مَاذَا تَرَوْنَ فِي أَمْرِ هَذَا الرّجُلِ وَمَا جَاءَ لَهُ؟ فَقَالَ قَائِلٌ أَيّهَا الْمَلِكُ إنّ فِي سُجُونِك رِجَالًا قَدْ حَبَسْتَهُمْ لِلْقَتْلِ فَلَوْ أَنّك بَعَثْتَهُمْ مَعَهُ فَإِنْ يَهْلِكُوا كَانَ ذَلِكَ الّذِي أَرَدْتَ بِهِمْ وَإِنْ ظَفِرُوا كَانَ مُلْكًا ازْدَدْتَهُ. فَبَعَثَ مَعَهُ كِسْرَى مَنْ كَانَ فِي سُجُونِهِ وَكَانُوا ثَمَانَ مِئَةِ رَجُلٍ.

.[وَهْرِز وَسَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ وَانْتِصَارُهُمَا عَلَى مَسْرُوقٍ وَمَا قِيلَ فِي ذَلِكَ مِنْ الشّعْرِ]:

وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ وَهْرِز، وَكَانَ ذَا سِنّ فِيهِمْ وَأَفْضَلَهُمْ حَسَبًا وَبَيْتًا فَخَرَجُوا فِي ثَمَانِ سَفَائِنَ فَغَرِقَتْ سَفِينَتَانِ وَوَصَلَ إلَى سَاحِلِ عَدَنَ وَهْرِز مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْ قَوْمِهِ وَقَالَ لَهُ رِجْلِي مَعَ رِجْلِك حَتّى نَمُوتَ جَمِيعًا أَوْ نَظْفَرَ جَمِيعًا. قَالَ لَهُ وَهْرِز: أَنْصَفْتَ وَخَرَجَ إلَيْهِ مَسْرُوقُ بْنُ أَبْرَهَةَ مَلِكُ الْيَمَنِ، وَجَمَعَ إلَيْهِ جُنْدَهُ. فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ وَهْرِز ابْنًا لَهُ لِيُقَاتِلَهُمْ فَيَخْتَبِرَ قِتَالَهُمْ فَقُتِلَ ابْنُ وَهْرِز فَزَادَهُ ذَلِكَ حَنَقًا عَلَيْهِمْ فَلَمّا تَوَاقَفَ النّاسُ عَلَى مَصَافّهِمْ قَالَ وَهْرِز: أَرُونِي مَلِكَهُمْ فَقَالُوا لَهُ أَتَرَى رَجُلًا عَلَى الْفِيلِ عَاقِدًا تَاجَهُ عَلَى رَأْسِهِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ؟ قَالَ نَعَمْ قَالُوا: ذَاكَ مَلِكُهُمْ فَقَالَ اُتْرُكُوهُ. فَوَقَفُوا طَوِيلًا، ثُمّ قَالَ عَلَامَ هُوَ؟ قَالُوا: قَدْ تَحَوّلَ عَلَى الْفَرَسِ، قَالَ اُتْرُكُوهُ. فَوَقَفُوا طَوِيلًا؟ ثُمّ قَالَ عَلَامَ هُوَ؟ قَالُوا: قَدْ تَحَوّلَ عَلَى الْبَغْلَةِ. قَالَ وَهْرِز: بِنْتُ الْحِمَارِ ذَلّ وَذَلّ مُلْكُهُ إنّي سَأَرْمِيهِ فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَصْحَابَهُ لَمْ يَتَحَرّكُوا فَاثْبُتُوا حَتّى أُوذِنَكُمْ. فَإِنّي قَدْ أَخْطَأْتُ الرّجُلَ وَإِنْ رَأَيْتُمْ الْقَوْمَ قَدْ اسْتَدَارُوا وَلَاثُوا بِهِ فَقَدْ أَصَبْتُ الرّجُلَ فَاحْمِلُوا عَلَيْهِمْ. ثُمّ وَتَرَ قَوْسَهُ وَكَانَتْ فِيمَا يَزْعُمُونَ لَا يُوتِرُهَا غَيْرُهُ مِنْ شِدّتِهَا، وَأَمَرَ بِحَاجِبَيْهِ فَعُصّبَا لَهُ ثُمّ رَمَاهُ فَصَكّ الْيَاقُوتَةَ الّتِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَتَغَلْغَلَتْ النّشّابَةُ فِي رَأْسِهِ حَتّى خَرَجَتْ مِنْ قَفَاهُ وَنُكِسْ عَنْ دَابّتِهِ وَاسْتَدَارَتْ الْحَبَشَةُ وَلَاثَتْ بِهِ وَحَمَلَتْ عَلَيْهِمْ الْفُرْسُ، وَانْهَزَمُوا، فَقُتِلُوا وَهَرَبُوا فِي كُلّ وَجْهٍ وَأَقْبَلَ وَهْرِز لِيَدْخُلَ صَنْعَاءَ، حَتّى إذَا أَتَى بَابَهَا، قَالَ لَا تَدْخُلُ رَايَتِي مُنَكّسَةً أَبَدًا، اهْدِمُوا الْبَابَ فَهُدِمَ ثُمّ دَخَلَهَا نَاصِبًا رَايَتَهُ. فَقَالَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ الْحِمْيَرِيّ:
يَظُنّ النّاسُ بِالْمَلْكَيْنِ ** أَنّهُمَا قَدْ الْتَأَمَا

وَمَنْ يَسْمَعْ بِلَأْمِهِمَا ** فَإِنّ الْخَطْبَ قَدْ فَقُمَا

قَتَلْنَا الْقَيْلَ مَسْرُوقًا ** وَرَوّيْنَا الْكَثِيبَ دَمَا

وَإِنّ الْقَيْلَ قَيْلُ النّاسِ ** وَهْرِز مُقْسِمٌ قَسَمَا

يَذُوقُ مُشَعْشَعًا حَتّى ** يُفِيءَ السّبْيَ وَالنّعما

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. وَأَنْشَدَنِي خَلّادُ بْنُ قُرّةَ السّدُوسِيّ آخِرَهَا بَيْتًا لِأَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو الصّلْتِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الثّقَفِيّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَتُرْوَى لِأُمَيّةِ بْنِ أَبِي الصّلْتِ:
لِيَطْلُبَ الْوِتْرَ أَمْثَالُ ابْنِ ذِي يَزَنَ ** رَيّمَ فِي الْبَحْرِ لِلْأَعْدَاءِ أَحْوَالَا

يَمّمَ قَيْصَرَ لَمّا حَانَ رِحْلَتُهُ ** فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ بَعْضَ الّذِي سَالَا

ثُمّ انْثَنَى نَحْوَ كِسْرَى بَعْدَ عَاشِرَةٍ ** مِنْ السّنِينَ يُهِينُ النّفْسَ وَالْمَالَا

حَتّى أَتَى بِبَنِي الْأَحْرَارِ يَحْمِلُهُمْ ** إنّكَ عَمْرِي لَقَدْ أَسْرَعَتْ قِلْقَالَا

لِلّهِ دَرّهُمْ مِنْ عُصْبَةٍ خَرَجُوا ** مَا إنْ رَأَى لَهُمْ فِي النّاسِ أَمْثَالَا

بِيضًا مَرَاربةً غُلْبًا أَسَاوِرَةً ** أُسْدًا تُرَبّبُ فِي الْغَيْضَاتِ أَشْبَالَا

يَرْمُونَ عَنْ شُدُفٍ كَأَنّهَا غُبُطٌ ** بزَمْخرٍ يُعَجّلُ الْمَرْمِيّ إعْجَالَا

أَرْسَلْتَ أُسْدًا عَلَى سُودِ الْكِلَابِ فَقَدْ ** أَضْحَى شَرِيدُهُمْ فِي الْأَرْضِ فُلّالَا

فَاشْرَبْ هَنِيئًا عَلَيْك التّاجُ مُرْتَفِقًا ** فِي رَأْسِ غُمْدان دَارًا مِنْك مِحْلَالَا

وَاشْرَبْ هَنِيئًا فَقَدْ شَالَتْ نَعَامَتُهُمْ ** وَأَسْبِلْ الْيَوْمَ فِي بُرْدَيْك إسْبَالَا

تِلْكَ الْمَكَارِمُ لاقَعْبان مِنْ لَبَنٍ ** شِيبَا بِمَاءٍ فَعَادَا بَعْدُ أَبْوَالَا

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا مَا صَحّ لَهُ مِمّا رَوَى ابْنُ إسْحَاقَ مِنْهَا، إلّا آخِرَهَا بَيْتًا قَوْلُهُ:
تِلْكَ الْمَكَارِمُ لاقَعْبان مِنْ لَبَنٍ

لِلنّابِغَةِ الْجَعْدِيّ. وَاسْمُهُ حِبّانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قَيْسٍ، أَحَدُ بَنِي جَعْدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ، فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَدِيّ بْنُ زَيْدٍ الحِيريّ، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي تَمِيمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ثُمّ أَحَدُ بَنِي امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَيُقَالُ عَدِيّ مِنْ الْعِبَادِ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ:
مَا بَعْدَ صَنْعَاءَ كَانَ يَعْمُرُهَا ** وُلَاةُ مُلْكٍ جَزْلٍ مَوَاهِبُهَا

رَفّعَهَا مَنْ بَنَى لَدَى قَزَع ** الْمُزْنِ وَتَنْدَى مِسْكًا مَحَارِبُهَا

مَحْفُوفَةٌ بِالْجِبَالِ دُونَ عُرَى ** الْكَائِدِ مَا تُرْتَقَى غُوَارِبُهَا

يَأْنَسُ فِيهَا صَوْتُ النّهَامِ إذَا ** جَاوَبَهَا بِالْعَشِيّ قَاصِبُهَا

سَاقَتْ إلَيْهَا الْأَسْبَابُ جُنْدُ بَنِي ** الْأَحْرَارِ فُرْسَانُهَا مَوَاكِبُهَا

وفُوّزت بِالْبِغَالِ تُوسَقُ ** بِالْحَتْفِ وَتَسْعَى بِهَا تَوَالِبُهَا

حَتّى رَآهَا الْأَقْوَالُ مِنْ طَرَفِ ** الْمَنْقَلِ مُخْضَرّةٌ كَتَائِبُهَا

يَوْمَ يُنَادُونَ آلَ بَرْبَرٍ ** والْيكْسوم لَا يُفْلِحُنّ هَارِبُهَا

وَكَانَ يَوْمُ بَاقِي الْحَدِيثِ ** وَزَالَتْ إمّة ثَابِتٌ مَرَاتِبُهَا

وَبُدّلَ الْفَيْجُ بِالزّرَافَةِ وَالْأَيّامُ ** جُونٌ جَمّ عَجَائِبُهَا

بَعْدَ بَنِي تُبّعٍ نَخَاوِرَةٌ ** قَدْ اطْمَأَنّتْ بِهَا مَرَازِبُهَا

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَأَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ وَرَوَاهُ لِي عَنْ الْمُفَضّلِ الضّبّيّ قَوْلَهُ:
يَوْمَ يُنَادُونَ آلَ بَرْبَرٍ والْيكْسوم

إلَخْ.

.[هَزِيمَةُ الْأَحْبَاشِ وَنُبُوءَةُ سَطِيحٍ وَشِقّ]:

وَهَذَا الّذِي عَنَى سَطِيحٌ بِقَوْلِهِ:
يَلِيهِ إرَمُ ذِي يَزَنَ

يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ عَدَنَ

فَلَا يَتْرُكُ أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْيَمَنِ

وَاَلّذِي عَنَى شِقّ بِقَوْلِهِ:
غُلَامٌ لَيْسَ بِدَنِيّ وَلَا مُدَنّ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْتِ ذِي يَزَنَ

.ذِكْرُ مَا انْتَهَى إلَيْهِ أَمْرُ الْفُرْسِ بِالْيَمَنِ:

.[مُلْكُ الْحَبَشَةِ فِي الْيَمَنِ وَمُلُوكُهُمْ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ وَهْرِز وَالْفُرْسُ بِالْيَمَنِ، فَمِنْ بَقِيّةِ ذَلِكَ الْجَيْشِ مِنْ الْفُرْسِ الْأَبْنَاءُ الّذِينَ بِالْيَمَنِ الْيَوْمَ. وَكَانَ مُلْكُ الْحَبَشَةِ بِالْيَمَنِ، فِيمَا بَيْنَ أَنْ دَخَلَهَا أَرْيَاط إلَى أَنْ قَتَلَتْ الْفُرْسُ مَسْرُوقَ بْنَ أَبْرَهَةَ وَأُخْرِجَتْ الْحَبَشَةُ، اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ سَنَةً تَوَارَثَ أَرْيَاط، ثُمّ أَبْرَهَةُ، ثُمّ يَكْسوم بْنُ أَبْرَهَةَ ثُمّ مَسْرُوقُ بْنُ أَبْرَهَةَ.

.[مُلُوكُ الْفُرْسِ عَلَى الْيَمَنِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ثُمّ مَاتَ وَهْرِز، فَأَمّرَ كِسْرَى ابْنَهُ الْمَرْزُبَانَ بْنِ وَهْرِز عَلَى الْيَمَنِ ثُمّ مَاتَ الْمَرْزُبَان فَأَمّرَ كِسْرَى ابْنَهُ التّيْنُجان بْنَ الْمَرْزُبَانِ عَلَى الْيَمَنِ، ثُمّ مَاتَ التّيْنُجان فَأَمّرَ كِسْرَى ابْنَ التّيْنُجان عَلَى الْيَمَنِ، ثُمّ عَزَلَهُ وَأَمّرَ بَاذَانَ فَلَمْ يَزَلْ بَاذَانُ عَلَيْهَا حَتّى بَعَثَ اللّهُ مُحَمّدًا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.

.[كِسْرَى وَبَعْثَةُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ]:

فَبَلَغَنِي عَنْ الزّهْرِيّ أَنّهُ قَالَ كَتَبَ كِسْرَى إلَى بَاذَانَ: أَنّهُ بَلَغَنِي أَنّ رَجُلًا مِنْ قُرَيْش خَرَجَ بِمَكّةَ، يَزْعُمُ أَنّهُ نَبِيّ، فَسِرْ إلَيْهِ فَاسْتَتِبْهُ فَإِنْ تَابَ وَإِلّا فَابْعَثْ إلَيّ بِرَأْسِهِ. فَبَعَثَ بَاذَانُ بِكِتَابِ كِسْرَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَتَبَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ اللّهَ قَدْ وَعَدَنِي أَنْ يُقْتَلَ كِسْرَى فِي يَوْمِ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا فَلَمّا أَتَى بَاذَانَ الْكِتَابُ تَوَقّفَ لِيَنْظُرَ وَقَالَ إنْ كَانَ نَبِيّا فَسَيَكُونُ مَا قَالَ. فَقَتَلَ اللّهُ كِسْرَى فِي الْيَوْمِ الّذِي قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قُتِلَ عَلَى يَدَيْ ابْنِهِ شِيرَوَيْه، وَقَالَ خَالِدُ بْنُ حِقّ الشّيْبَانِيّ:
وَكِسْرَى إذْ تَقَسّمْهُ بَنُوهُ ** بِأَسْيَافٍ كَمَا اُقْتُسِمَ اللّحّامُ

تَمَخّضَتْ الْمَنُونُ لَهُ بِيَوْمٍ ** أَنّى وَلِكُلّ حَامِلَةٍ تِمَامُ

.[إسْلَامُ بَاذَانَ]:

قَالَ الزّهْرِيّ: فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ بَاذَانَ بَعَثَ بِإِسْلَامِهِ وَإِسْلَامِ مَنْ مَعَهُ مِنْ الْفُرْسِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. فَقَالَتْ الرّسُلُ مِنْ الْفُرْسِ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى مَنْ نَحْنُ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ أَنْتُمْ مِنّا وَإِلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْت.

.[سَلْمَانُ مِنّا]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَبَلَغَنِي عَنْ الزّهْرِيّ أَنّهُ قَالَ فَمِنْ ثَمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَلْمَانُ مِنّا أَهْلَ الْبَيْتِ.

.[بَعْثَةُ النّبِيّ وَنُبُوءَةُ سَطِيحٍ وَشِقّ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَهُوَ الّذِي عَنَى سَطِيحٌ بِقَوْلِهِ نَبِيّ زَكِيّ، يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنْ قِبَلِ الْعَلِيّ. وَاَلّذِي عَنَى شِقّ بِقَوْلِهِ بَلْ يَنْقَطِعُ بِرَسُولِ مُرْسَلٍ يَأْتِي بِالْحَقّ وَالْعَدْلِ مِنْ أَهْلِ الدّينِ وَالْفَضْلِ يَكُونُ الْمُلْكُ فِي قَوْمِهِ إلَى يَوْمِ الْفَصْلِ.

.[الْحَجَرُ الّذِي وُجِدَ بِالْيَمَنِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فِي حَجَرٍ بِالْيَمَنِ- فِيمَا يَزْعُمُونَ كِتَابٌ- بِالزّبُورِ كُتِبَ فِي الزّمَانِ الْأَوّلِ لِمِنْ مُلْكُ ذِمَارٍ؟ لِحِمْيَرَ الْأَخْيَارِ لِمَنْ مُلْكُ ذِمَارٍ؟ لِلْحَبَشَةِ الْأَشْرَارِ لِمَنْ مُلْكُ ذِمَارٍ؟ لِفَارِسَ الْأَحْرَارِ لِمَنْ مُلْكُ ذِمَارٍ؟ لِقُرَيْشِ التّجّارِ. وَذِمَارٌ: الْيَمَنُ أَوْ صَنْعَاءُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ذَمَارُ: بِالْفَتْحِ فِيمَا أَخْبَرَنِي يُونُسُ.

.[شِعْرٌ لِأَعْشَى فِي نُبُوءَةِ سَطِيحٍ وَشِقّ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ الْأَعْشَى أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ فِي وُقُوعِ مَا قَالَ سَطِيحٌ وَصَاحِبُهُ:
مَا نَظَرَتْ ذَاتُ أَشْفَارٍ كَنَظْرَتِهَا ** حَقّا كَمَا صَدَقَ الذّئْبِيّ إذَا سَجَعَا

وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَقُولُ لِسَطِيحِ الذّئْبِيّ لِأَنّهُ سَطِيحُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ مَازِنِ بْنِ ذِئْبٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
قِصّةُ مَلِكِ الْحَضْرِ.

.[نَسَبُ النّعْمَانِ وَشَيْءٌ عَنْ الْحَضْرِ، وَشِعْرُ عَدِيّ فِيهِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي خَلّادُ بْنُ قُرّةَ بْنِ خَالِدِ السّدُوسِيّ عَنْ جَنّاد، أَوْ عَنْ بَعْضِ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ بِالنّسَبِ أَنّهُ يُقَالُ إنّ النّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ مِنْ وَلَدِ سَاطِرُونَ مَلِكِ الْحَضْرِ وَالْحَضْرُ: حِصْنٌ عَظِيمٌ كَالْمَدِينَةِ، كَانَ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ، وَهُوَ الّذِي ذَكَرَ عَدِيّ بْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ:
وَأَخُو الْحَضْرِ إذْ بَنَاهُ وَإِذْ ** دِجْلَةُ تُجْبَى إلَيْهِ وَالْخَابُورُ

شَادَهُ مَرْمَرَا وَجَلّلَهُ كِلْسًا ** فَلِلطّيْرِ فِي ذُرَاهُ وُكُورُ

لَمْ يَهَبْهُ رَيْبُ الْمَنُونِ فَبَانَ ** الْمُلْكُ عَنْهُ فَبَابُهُ مَهْجُورُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَاَلّذِي ذَكَرَهُ أَبُو دُوَادٍ الْإِيَادِيّ فِي قَوْلِهِ:
وَأَرَى الْمَوْتَ قَدْ تَدَلّى مِنْ الْحَضْرِ ** عَلَى رَبّ أَهْلِهِ السّاطِرُونَ

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَيُقَالُ إنّهَا لِخَلَفِ الْأَحْمَرِ وَيُقَالُ لِحَمّادِ الرّاوِيَةِ.

.[دُخُولُ سَابُورَ الْحَضْرَ، وَزَوَاجُهُ بِنْتِ سَاطِرُونَ وَمَا وَقَعَ بَيْنَهُمَا]:

وَكَانَ كِسْرَى سَابُورُ ذُو الْأَكْتَافِ غَزَا سَاطِرُونَ مَلِكِ الْحَضْرِ، فَحَصَرَهُ سَنَتَيْنِ فَأَشْرَفَتْ بِنْتُ سَاطِرُونَ يَوْمًا، فَنَظَرَتْ إلَى سَابُورَ وَعَلَيْهِ ثِيَابُ دِيبَاجٍ وَكَانَ جَمِيلًا، فَدَسّتْ إلَيْهِ أَتَتَزَوّجُنِي إنْ فَتَحْتُ لَك بَابَ الْحَضْرِ؟ فَقَالَ نَعَمْ فَلَمّا أَمْسَى سَاطِرُونَ شَرِبَ حَتّى سَكِرَ وَكَانَ لَا يَبِيتُ إلّا سَكْرَانَ. فَأَخَذَتْ مَفَاتِيحَ بَابِ الْحَضْرِ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ فَبَعَثَتْ بِهَا مَعَ مَوْلًى لَهَا، فَفَتَحَ الْبَابَ فَدَخَلَ سَابُورُ فَقَتَلَ سَاطِرُونَ، وَاسْتَبَاحَ الْحَضْرَ وَخَرّبَهُ وَسَارَ بِهَا مَعَهُ فَتَزَوّجَهَا. فَبَيْنَا هِيَ نَائِمَةٌ عَلَى فِرَاشِهَا لَيْلًا إذْ جَعَلَتْ تَتَمَلْمَلُ لَا تَنَامُ فَدَعَا لَهَا بِشَمْعِ فَفُتّشَ فِرَاشُهَا، فَوُجِدَ عَلَيْهِ وَرَقَةُ آسٍ فَقَالَ لَهَا سَابُورُ أَهَذَا الّذِي أَسْهَرَك؟ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَمَا كَانَ أَبُوك يَصْنَعُ بِكِ؟ قَالَتْ كَانَ يَفْرِشُ لِي الدّيبَاجَ وَيُلْبِسُنِي الْحَرِيرَ وَيُطْعِمُنِي الْمُخّ وَيَسْقِينِي الْخَمْرَ قَالَ أَفَكَانَ جَزَاءُ أَبِيك مَا صَنَعْتِ بِهِ؟ أَنْتَ إلَيّ بِذَلِكَ أَسْرَعُ ثُمّ أَمَرَ بِهَا فَرُبِطَتْ قُرُونُ رَأْسِهَا بِذَنَبِ فَرَسٍ ثُمّ رَكَضَ الْفَرَسُ حَتّى قَتَلَهَا. فَفِيهِ يَقُولُ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ:
أَلَمْ تَرَ لِلْحَضْرِ إذْ أَهْلُهُ ** بِنُعْمَى وَهَلْ خَالِدٌ مِنْ نِعَمْ

أَقَامَ بِهِ شاهَبُور الْجُنُودَ ** حَوْلَيْنِ تَضْرِبُ فِيهِ الْقُدُمْ

فَلَمّا دَعَا رَبّهُ دَعْوَةً ** أَنَابَ إلَيْهِ فَلَمْ يَنْتَقِمْ

وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
وَقَالَ عَدِيّ بْنُ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ:
وَالْحَضْرُ صَابَتْ عَلَيْهِ دَاهِيَةٌ ** مِنْ فَوْقِهِ أَيّدٌ مَنَاكِبُهَا

رَبِيّةَ لَمْ تُوَقّ وَالِدَهَا ** لِحَيْنِهَا إذْ أَضَاعَ رَاقِبُهَا

إذْ غَبَقَتْهُ صَهْبَاءَ صَافِيَةً ** وَالْخَمْرُ وَهَلْ يَهِيمُ شَارِبُهَا

فَأَسْلَمَتْ أَهْلَهَا بِلَيْلَتِهَا ** تَظُنّ أَنّ الرّئِيسَ خَاطِبُهَا

فَكَانَ حَظّ الْعَرُوسِ إذْ جَشَرَ الصّبْحُ ** دِمَاءً تَجْرِي سَبَائِبُهَا

وَخُرّبَ الْحَضْرُ وَاسْتُبِيحَ وَقَدْ ** أُحْرِقَ فِي خِدْرِهَا مَشَاجِبُهَا

وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.